أخبار المنتصف
أخبار عاجلة
مقالات

سُلّـــم ومسنـــد كنيســـة القيامـــة قنبلـــة موقوتـــة أم رمــز التعايـــش والإستقـــرار

سُلّـــم ومسنـــد كنيســـة القيامـــة
قنبلـــة موقوتـــة أم رمــز التعايـــش والإستقـــرار

بقلم الباحث فواز إبراهيم نزار عطية

كنيسة القيامة -المنتصف
كنيسة القيامة -المنتصف

صحيفة المنتصف
الصورة في الأعلى تظهر الستاتيكو، والصورة في الأسفل تبين خرق الستايكو

أستهل مقالتي بما يقوله لي دائما أحد أصدقائي المُخلصين، عندما نتحدث عن أسباب الاختلاف بين الناس، فيذكرني بقصة ابني آدم عليه السلام، نسيها أو يكاد أن ينساها البشر على اختلاف عقائدهم، إذ يقول الحق في محكم التنزيل في سورة المائدة آية 27 :” وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ”، فلم يكن ليختلف إبني أبونا آدم عليه الصلاة والسلام، وهما قابيل وهابيل على قطعة أرض أو على مكان ركن سيارة أو على ملكية دابة من دواب الأرض، وإنما يقول الحق عزوجل سبب الخطيئة، أنه تُقبل من أحدهما ولم يُتقبل من الآخر بسبب الحسد وعدم اطاعة أوامر الأب آدم، مما دفع ممن لم يُقبل منه بقتل أخيه عدوانا وظلما، حسدا وبغضاء دون وجه حق، وهذا هو سبب عدم التقبل من قابيل لأن نفسه كانت تحمل من الحسد والبغضاء اتجاه أخيه ما لا تحمله نفس بشرية من قبل، فالله يعلم ما تخفي الصدور، وهذه اساس المعصية.
ومقال اليوم يتعلق بذات الحكاية الأولى، فالسُلّم الخشبي الثابت إما رمز سلام أو رمز حرب، التشابه والقياس على حالة ولدي آدم بحكم المؤكد تنطبق على حالات لا حصر لها في المعاملات بين الناس.
هذا السُلم الخشبي الثابت لا يمكنك تحريكه ولا يمكن تغيير المحيط به، إلا باتفاق جميع الطوائف المسيحية المتقاسمة لملكية كنيسة القيامة ومحيطها، وهذه الطوائف هي: الكاثوليك، وخمس طوئف أرثوذكسية، الأرمن والأقباط والسيريان واليونان والاثيوبين.
قبل بضعة ايام قليلة، تفاجأ العالم المسيحي كما تفاجأ أهل القدس، بقيام طائفة الأرمن الأرثوذكسية بتغيير ستاتيكو مضى عليه ثلاثة قرون من الزمن تقريبا، وهذا التغيير حتما سينشأ أزمات دبلوماسية بين بعض الدول المسيحية، وسيزعزع من ثبات الوصاية الهاشمية على المقدسات المسيحية والاسلامية في القدس، في وقت حساس جدا ، وقد يحمل في طياته شبهات لا حصر لها، لا تليق بالطائفة الارمنية التي عاشت في القدس منذ مئات السنوات تتقاسم الحلو والمر مع أهالي القدس على مرّ العصور، تلك الطائفة عاصرت وأهالي القدس حكومات كثيرة، رحلت جميعها وبقينا نحن في الارض المقدسة وما زلنا.
ذلك التغيير تمثل في وضع مسند حديدي منقوش بصليب يرمز للطائفة الأرمنية، على رفراف حجري يعود ملكيته لطائف الروم الاثوذكس.
فهل نحن على اعتاب حرب دينية في القدس بين مختلف الطوائف المسيحية، أم أن الحِكمة ستكون سيدة الموقف، للعودة إلى الاتفاقية القديمة “الستايكو” التي نظمت برعاية السلطان العثماني عثمان الثالث عام 1757، حين أصدر فرمانًا بنقل وحفظ ملكية الكنيسة لمُلّاكها الحاليين بشكل مستدام.
يجب ألا ننسى بسبب بعض الاختلافات الجوهرية بين هذه الطوائف في الفكر والتوجهات والسلوك و في بعض الاحيان في العقيدة، اضطر السلطان صلاح الدين الأيوبي لإغلاق أحد أبواب باب الكنيسة من جهة درجات الجلجلة لمنع الاقتتال بين الطوائف حول مسألة أي الأبواب يجب أن يتم الدخول منه، وأيهما يكون محددا للخروج منه، مما نزع فتيل الاقتتال وأمر بإغلاق احد الابواب، ليكون الدخول والخروج من باب واحد فقط، وحقنا للدماء أصدر السلطان صلاح الدين الأيوبي فرمانا إضافيا، بأن وضع مفتاح كنيسة القيامة أمانة لدى عائلة “غضية” المسلمة المعروفة اليوم بعائلة جودة الحسيني، بهدف منع الاحتكاك والاقتتال بين الطوائف حول حق الادارة، وأُعطي لعائلة “نسيبة” المسلمة قوامة فتح وإغلاق باب الكنيسة لقطع أي احتكاك أو مناوشات بين الطوائف وخصوصا اثناء الاعياد الرسمية.
فتلك التسويات التي فرضت عليهم، أدت إلى منع أي إجراء أو أية تغييرات في الكنيسة، إلا بتوافق واجماع جميع الطوائف المذكورة، الامر الذي جعل من ذلك الاتفاق “ستاتيكو” لا يجوز تغييره أو تعديله، إلا باتفاق ومباركة جماعية لقادة الطوائف سالفة الذكر.
فكانت النتيجة تدهور مبنى الكنيسة وإهماله دون إصلاح أو ترميم لسنوات طويلة، بسبب صعوبة الاتفاق، فكان السُلم قابعا في مكانه الحالي وقت صك المعاهدة عام 1757، وبالتالي اعتبر هذا السلم أساس المحرمات بين الطوائف التي لا يجوز المساس بها، ولا حتى تحريكه من مكانه قيد أنملة.

كنيسة القيامة -المنتصف
كنيسة القيامة -المنتصف

وبما أن المعاهدة يحملها أصحاب الطوائف على محمل الجدية والأهمية والحِرفية، لدرجة أن تحريك السُلم أو أي قطعة أثاث أخرى من مكانها حتما ستؤدي إلى شغب وإلى عواقب لا تحمد عقباها، ولنا في ذلك تاريخ حصل أن حاول أحد قساوسة الاقباط سنة 2002 تحريك كرسي كان يجلس عليه، بحيث حركهُ ليستظل في الظل، مما أدى إلى احتجاجات واسعة من الاثيوبيين وحاولوا الاستيلاء عليه، وهذا التحريك اعتُبر إنتهاكا صارخا للمعاهدة، لعدم الحصول على موافقة باقي الطوائف، فنشبت اشتباكات بالأيدي بين أتباع الطائفتين والقساوسة، كما وأنه في سنة 2008 حاول بعض قساوسة الأرمن استبعاد قس يوناني من المشاركة في احتفال سبت النور، فاشتعل صدام بين اليونانيين والأرمن، أصيب فيه العشرات، الامر الذي أدى إلى تدخل الشرطة الإسرائيلية داخل مبنى الكنيسة لفض النزاع والقبض على بعض القساوسة، بخلاف أحداث عنف أخرى اندلعت بين الطوائف المختلفة لاسباب عديدة لا مجال لذكرها.
وبما أن موضوع مقالتنا حول السُلم، فالحق الحق اقول، أن لا أحد يعرف كيف وصل السلم إلى مكانه الحالي، رغم الروايات المتعددة، إلا أنه لا يوجد مصدر رسمي موثوق للإعتماد عليه، كما ولا يعرف اسم الشخص الذي وضعه وإلى أي طائفة ينتمي، لكن الإجماع حاليا على أن السُلم ينتمي لجميع الطوائف الست، ولا يمكن تحريكه أو زحزحته قبل الحصول على موافقتهم جميعا، والمصدر التاريخي يؤكد أن في كل عملية ترميم للكنيسة يتم تحريك السُلم قليلا، كنوع من الاعلان على التوافق بترميم مكان يعد أقدس بقعة للعالم المسيحي وهذا ما تم في العامين 2020 و2021، كما ويؤكد ذلك المصدر أنه تم زحزحت السُلم عام 2009 لتنظيف المنطقة المحيطة به.
لذلك اعتقد أن السُلم سيظل ثابتا في مكانه لفترات طويلة، رمزا للخلافات والانقسام بين الطوائف المسيحية، وشاهدا على التعنت والبغضاء من البعض، دون أن يدرك البعض معنى الأية الكريمة التي تلخص معنى الحياة القصيرة.
ومن هنا نستطيع أن نجد التفسير المنطقي على بقاء السُلم الخشبي مكانه لقرون، لأن في عدم تحريكه أفضل الحلول على بقاء الوضع قائم كما هو.
وبناء على ما تقدم، يجب أن يفهم الجميع بأن السُلم الذي هو اساس الانقسام بين مختلف الطوائف المسيحية، يجب ألا يستغل ذلك الانقسام والخلاف لفرض أمر جديد، فهل هذا السلوك الجديد ينذر بتغيير الستاتيكو من جانب الطائفة الارمنية المحترمة، التي عهدناها وفق ما كتبته كتب التاريخ بتقديم كل عون وخدمات جليلة تحسب لها، لجميع ابناء القدس دون محاباة أو تمييز، وهل ينسى أهل القدس عام 1948عندما لجأ أهلها وبأعداد كبيرة لدير الأرمن في منطقة باب الخليل ليحتموا من نيران العدو، أم نسي أولي الأمر من طائفة الأرمن بأن المصير المشترك واحد، وهل يدرك أولئك إلى حجم الضرر الذي سيقع على القدس وأهلها، نتيجة تركيب مسند حديدي وعليه رمز الصليب الارمني على رفراف يعود ملكيته لطائفة أخرى، فهل يقبل أولئك أن يتم التدخل في الشأن المسيحي عنصر يتربص في كل متر وسانتيمتر من أرض القدس، أم أن العودة لرشدهم سيكون أساس التعايش والاحترام؟ ليتم حل الموضوع ضمن منهاج وطني تركيبته فيسيفساء التعايش الأخوي منذ قرون، وبما لا يحيد عن الوصاية الهاشمية للمقدسات.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى