ياسر عرفات من الميلاد حتى الاستشهاد ..بقلم أ.د.حنا عيسى
المنتصف
(4/8/1929م- 11/11/2004م)
في كل لحظة وكل يوم ، في كل مناسبة واحتفال ، في كل كلمة وخطاب ، أكد الشهيد الرئيس ياسر عرفات (ابو عمار) على قدسية وعروبة مدينة القدس وعودتها إلى أحضان الشعب الفلسطيني… فقال فيها الكثير معبرا عن حلمه فيها وشوقه إليها…
قال الرمز في كلمة وجهها لاجتماع عقده المجلس الوطني الفلسطيني في مقره بنابلس في 16/9/2003م ردا على القرار الإسرائيلي القاضي بإبعاده والدعوات المطالبه بتصفيته: “إن حياتي ليست هي القضية، بل حياة الوطن والقدس مسرى الرسول ومهد المسيح…هذه هي القضية الكبرى، التي قدم الشعب الفلسطيني من أجلها التضحيات، من أجل عودة الأرض والمقدسات”.
• قال القائد: “لا يخيفنا قرار ولا حصار وقتال، لأننا ندافع عن ما هو أغلى من أنفسنا وهو التراث التاريخي والحضاري لشعب الجبارين، ومعا وسويا وجنبا إلى جنب حتى القدس الشريف”.
• قال الأب مخاطبا أعضاء المجلس الوطنى في غزة: “إن القضية ليست قضية أبو عمار إنما قضية حياة الوطن واستقلاله وكرامة هذا الشعب وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف”.
• وبأعلى صوته قال الشهيد: “لا تهتفوا لي بلا اهتفوا لفلسطين والقدس.. بالروح بالدم نفديك يا فلسطين … على القدس رايحين شهداء بالملايين”.
• قال الختيار: “يرودنني إما قتيلا..وإما أسيرا ..أو طريدا ..لاء أنا بألهم شهيدا.. شهيدا.. شهيدا”.
• قال الياسر: ” ليس فينا وليس منا من يفرط بذرة تراب من القدس الشريف”.
• قال أبو عمار: “القدس عاصمة دولة فلسطين الأبدية وال مش عاجبو يشرب من بحر غزة”.
• وقال البطل: ” سيأتي يوم ويرفع فيه شبلا من أشبالنا وزهرة من زهراتنا علم فلسطين فوق كنائس القدس ومآذن القدس و أسوار القدس الشريف”.
• وقال الجاسر: “جئتكم اليوم بغصن زيتون أخضر، وفي يدي بندقية ثائر، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي”.
• وقال الكاسر: “هل هناك أحد في فلسطين لا يتمنى الشهادة، كلنا مشاريع شهادة، فالقصف الإسرائيلي متواصل من الطائرات والمدفعيات والصواريخ، ويومياً يسقط شهداء كل يوم نسمع عن شهيد”.
• وقال المعلم : “هذا الشعب شعب الجبارين لا يعرف الركوع ألا لله تعالى”.
• وقال الزعيم: ” لن يكتمل حلمى إلا بك ياقدس” … ” يرونها بعيده … ونراها قريبه … وإنا لصادقون”.
وقال .. وقال.. وقال…
ياسر عرفات في سطور…
ولد “محمد ياسر” عبد الرؤوف عرفات القدوة الحسيني في القدس يوم الرابع من آب/أغسطس 1929م، وبعد وفاة والدته السيدة زهوة في العام 1933 ترك منزل الأسرة في القاهرة متوجها إلى القدس حيث أقام فيها مع خاله سليم أبو السعود حتى العام 1937 حين عاد إلى القاهرة، توجه إلى فلسطين في ربيع 1948 حيث قاتل ضد العصابات الصهيونية بجنوب فلسطين، ثم انضم إلى “جيش الجهاد المقدس” الذي أسسه عبد القادر الحسيني وعين ضابط استخبارات فيه، التحق في العام 1949 بكلية الهندسة في جامعة فؤاد الأول بالقاهرة، وأسس مع عدد من الطلاب الفلسطينيين “رابطة الطلاب الفلسطينيين” في العام 1950، وانتخب رئيسا لها، كما انتخب رئيسا لرابطة طلاب جامعة القاهرة في العام 1952 وبقي محتفظا بالمنصب حتى نهاية دراسته في العام 1955، تخرج من الجامعة في العام 1955، وعقب تخرجه أسس رابطة الخريجين الفلسطينيين، عمل مهندسا في الشركة المصرية للإسمنت في العامين 1956-1957، التحق بالجيش المصري فور اندلاع حرب السويس في 28/10/1956 “العدوان الثلاثي” كضابط احتياط في وحدة الهندسة في بور سعيد، وسافر إلى الكويت في اواخرالعام 1957، وعمل مهندسا في وزارة الأشغال العامة، ثم أنشأ شركة للبناء وكرس الكثيرمن وقته لنشاطاته السياسية السرية.
أسس مع عدد من الفلسطينيين ومنهم خليل الوزير “أبوجهاد” حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” في الكويت في أواخر العام 1957، وأصدر مع “أبو جهاد” صحيفة شهرية هي “فلسطيننا- نداء الحياة” في 1959، وأسس مع ” أبو جهاد” أول مكتب لـ “فتح” في العام 1963، ثم أسس المكتب الثاني للحركة في العام التالي 1964 في دمشق. وشارك في المؤتمر التأسيسي لمنظمة التحرير الفلسطينية في القدس في العام 1964 كممثل عن الفلسطينيين في الكويت.
اعتقل في سورية أثناء قيامه بنقل أصابع ديناميت من لبنان إلى الأردن في 1964. وأطلق مع رفاق دربه في “فتح” الكفاح المسلح مساء يوم 31 كانون الأول/ديسمبر 1964 في العملية العسكرية الأولى “عملية نفق عيلبون” التي كانت بمثابة الانطلاقة الرسمية لحركة “فتح” في الفاتح من كانون ثاني عام 1965م. دخل إلى الأرض المحتلة في تموز/يوليو 1967 بعد شهر على سقوطها تحت الاحتلال عبر نهر الأردن للإشراف على سير عمليات الكفاح المسلح ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي. قاد قوات الثورة الفلسطينية في تصديها للقوات الإسرائيلية في معركة الكرامة في الأردن في 21 آذار/ مارس 1968 ونجا خلالها من محاولة إسرائيلية لاغتياله. عينته “فتح” يوم 14 نيسان/أبريل 1968 متحدثا رسميا باسم الحركة، وفي بداية شهر آب/ أغسطس من نفس السنة عينته ناطقا وقائدا عاما للقوات المسلحة لحركة “فتح” ..المسماة “العاصفة”. انتخب في الـمجلس الوطني الفلسطيني الخامس (شباط/فبراير 1969) رئيسا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وكان يتم تجديد انتخابه للمنصب في دورات المجلس حتى استشهاده. اختارته مجلة “تايم” الأميركية في نهاية 1969 “رجل العام” وتكرر ذلك في سنوات لاحقة. شارك في القمة العربية الخامسة في الرباط “كانون الأول/ديسمبر 1969″، وبعد أن تكرست مكانته في زعامة الفلسطينيين، ولأول مرة وضع مقعد رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في الصف الأول على قدم المساواة مع رؤساء وملوك الدول العربية الأخرى، ومنحت المنظمة حق التصويت في القمة.
نجا من الموت قصفا أكثر من مرة خلال أحداث أيلول/سبتمبر 1970 في الأردن. انتقل إلى لبنان مع انتهاءالوجود الفلسطيني المسلح في الأردن في تموز/ يوليو1971، وشارك بصفته رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة في مؤتمر القمة الرابع لحركة عدم الانحياز في 1973 في الجزائر، حيث قرر المؤتمرالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا وحيدا للشعب الفلسطيني وانتخب عرفات نائبا دائما للرئيس في حركة عدم الانحياز، وشارك في مؤتمر القمة الإسلامي في لاهور بباكستان في شباط/فبراير 1974 والذي أعلن أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وانتخب عرفات نائبا دائما للرئيس الدوري لمنظمة المؤتمر الإسلامي. وكرس مكانة المنظمة عربيا في القمة العربية السادسة في الرباط في 28 تشرين الأول/أكتوبر 1974 التي جددت التأكيد على أن منظمة التحرير”ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني”. توج النجاحات السياسية للثورة الفلسطينية يوم 13 تشرين الثاني/نوفمبر 1974 حين ألقى خطابا تاريخيا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقال عبارته الشهيرة في ختام الخطاب “جئت حاملا غصن الزيتون في يد، وفي الأخرى بندقية الثائر، فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي”.
قاد معارك الدفاع عن الثورة الفلسطينية بعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في العام 1975 متحالفا مع القوى الوطينية والتقدمية في لبنان. حاول الإسرائيليون اغتياله في تموز/يوليو 1981 حين قصفوا البناية التي تضم مقر قيادته في الفاكهاني ببيروت ودمروها كليا ليدفنوا تحت أنقاضها أكثر من مئة شهيد. قاد قوات الثورة الفلسطينية في معركة الصمود ببيروت 1982 وخلالها نجا من عدة محاولات لاغتياله. .
غادر بيروت يوم 30/8/1982على متن السفينة اليونانية “أتلانتيد”..وكانت اليونان محطته الأولى مكث فيها يوما واحدا وغادرها إلى تونس المقر الجديد لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية في المنفى. تصدى في العام 1983 للانشقاق الذي نفذه عدد من عناصر “فتح” بدعم وتوجيه من الحكومة السورية، وعاد إلى طرابلس بشمال لبنان سرا عبر البحر في 20/9/ 1983 ليقود القوات الفلسطينية وحوصر في طرابلس حتى 19/12/1983 ليغادر بعدها ويزور مصر لينهي بذلك المقاطعة العربية لها. جدد المجلس الوطني في اجتماعه بعمان في 1984 الثقة به وانتخبه مرة أخرى رئيسا للجنة التنفيذية للمنظمة. نجا من محاولة لاغتياله في الأول من تشرين الأول/أكتوبر 1985 حين قصفت 8 طائرات إسرائيلية مقر قيادته في حمام الشط بتونس ودمرته، أعلن إستقلال “دولة فلسطين” في الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر في 15 تشرين الثاني /نوفمبر1988. ألقى خطابا أمام الجمعية العامة للامم المتحدة يوم 13/12/1988 في جنيف حيث قامت الجمعية العامة في خطوة غير مسبوقة، بنقل اجتماعاتها من نيويورك خصيصا للاستماع إلى كلمته بعد أن رفضت واشنطن منحه تأشيرة دخول إلى نيويورك. أعلن في جنيف يوم 14/12/1988 قبول القرار 242 ونبذ الإرهاب ما نتج عنه إعلان الرئيس الأميركي رونالد ريغان فتح حوار مع المنظمة في اواخر العام 1988.
انتخبه المجلس المركزي الفلسطيني رئيسا لدولة فلسطين في 30/4/1989. تزوج من سهى الطويل يوم 17/7/1990في تونس. ونجا من موت محقق عندما سقطت طائرته وتحطمت في الصحراء الليبية أثناء رحلة انطلقت من الخرطوم في 7/4/1992.
حضر مراسم توقيع “اتفاقية أوسلو” بين منظمة التحرير والحكومة الإسرائيلية في 13/9/1993 في البيت الأبيض بواشنطن. انتخبه المجلس المركزي الفلسطيني يوم 12/10/1993 رئيساً للسلطة الوطنية الفلسطينية. وحصل بالاشتراك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين ووزير خارجيته شمعون بيريس على جائزة نوبل للسلام في العام (1994) وفي نفس العام حصل أيضا على جائزة هوفوات ـ بوانيي للسلام وجائزة صندوق ريغان للسلام، وجائزة الأمير استورياس”ولي العرش الاسباني”، وحصل على عدة جوائز أخرى وأوسمة وشهادات دكتوراة فخرية من دول وجامعات خلال مراحل قيادته للشعب الفلسطيني.
وقع مع اسحق رابين في 4/5/1994 “اتفاقية القاهرة” لتبدأ مرحلة نقل الأراضي المحتلة “غزةـ أريحا أولا” إلى السلطة الفلسطينية.
عاد إلى أرض الوطن في 1/7/1994 لأول مرة بعد 27 سنة من الغياب القسري بزيارة “استهلالية” لغزة وأريحا قبل عودته النهائية للاستقرار في الوطن يوم 12/7/1994 حين وصل إلى غزة ليبدأمن مقره في”المنتدى” معركة بناء السلطة الوطنية وإقامة مؤسساتها.
رزق بابنته الوحيدة “زهوة” في 24/7/1995. انتُخب رئيسا للسلطة الفلسطينية بحصوله على 88.1% من أصوات المشاركين في الانتخابات التي جرت لأول مرة في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية في 20/1/1996.
شارك في مؤتمر القمة الثلاثية في كامب ديفيد بالولايات المتحدة في تموز/يوليو 2000 والتي انتهت بالفشل بعد رفضه لمحاولات فرض حلول إسرائيلية لقضايا الوضع النهائي، لتبدأ بعد ذلك الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الثانية إثر زيارة ارئيل شارون للحرم القدسي الشريف يوم 28/9/2000.
تعرض لحملة منهجية أدارها شارون بدعم أميركي في العام 2001 لإلصاق تهمة الإرهاب به شخصيا. منعته إسرائيل يوم 8/12/2001 من مغادرة رام الله إلا بإذنها وبدأت فعليا مرحلة محاصرته في رام الله. غاب عن المشاركة في القمة العربية في بيروت في 26/3/2002 لأن شارون هدد بأنه لن يسمح له بالعودة إلى الأراضي الفلسطينية إذا غادرها. حاصرته القوات الإسرائيلية داخل مقره بالمقاطعه في رام الله صباح 29/3/2002 ومعه 480 شخصا وأطلق الجنود الناروالقذائف في جميع الاتجاهات. وانسحب الجيش الإسرائيلي من المقاطعة ليلة 1ـ2/5/2002 بعد تفجير آخر مبنى فيها، ولم يكن رفع الحصار كاملا فقد حظر شارون على عرفات مغادرة الأراضي الفلسطينية إلا إذا قرر عدم العودة إليها.
هاجم الجيش الإسرائيلي مقره بوحشية يوم 5/6/2002، ولم تسلم غرفته من الرصاص، لم يصب بأذى لكن أحد حراسه استشهد وأصيب سبعة آخرون. وجد عرفات نفسه يوم 24/5/2002 أمام حرب صريحة من بوش عليه فقد طلب بوش في خطابه في ذلك اليوم تشكيل قيادة فلسطينية جديدة ومختلفة .. ودعاإلى رحيل عرفات عن منصبه. تعرض مقره لهجوم جديد من قوات الاحتلال في19/9/2002 واحتل الجيش الإسرائيلي المقاطعة لمدة ستة أيام وقصف مبنى الرئيس بالمدفعية.
تعرض لحملة أميركيةـ إسرائيلية لإقصائه عن السلطة وتحويله إلى رئيس بصلاحيات محدودة في أواخرالعام 2002. قررت الحكومة الأمنية الإسرائيلية المصغرة مبدئيا في اجتماعها يوم 13/9/2003 “إزالته” وأطلقت بعد ذلك جملة من التصريحات والتلميحات حول التخلص منه.. بقتله أو إبعاده أو سجنه وعزله.
منع من مغادرة الأراضي الفلسطينية للمشاركة في القمة العربية بتونس يوم 22/5/2004 فتحدث إليها في كلمة متلفزة. ظهرت أولى علامات التدهور الشديد على صحته يوم الثلاثاء 12 تشرين الأول/أكتوبر 2004 وأصيب بمرض في الجهاز الهضمي. تدهورت حالته الصحية تدهوراً سريعاً يوم الأربعاء 27 تشرين الأول/أكتوبر2004. ووافق بنفسه على قرّار الأطباء بنقله إلى فرنسا للعلاج، بعد تلقي تأكيدات أميركية وإسرائيلية بضمان حرّية عودته للوطن. أدخل إلى مستشفى بيرسي في كلامار قرب باريس في فرنسا في 29 تشرين الأول/ أكتوبر 2004 وتزايد الحديث عن احتمال تعرضه للتسمم، ثم تدهورت صحته أكثر. ظل يصارع مرض موته إلى أن أسلم الروح لباريها في الساعة الرابعة والنصف من فجر الخميس الحادي عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2004.
ودع الرئيس الفرنسي جاك شيراك جثمانه يوم 11/11/2004 أمام المستشفى ثم ودعته فرنسا بمراسم رسمية مهيبة. وأقلت طائرة حكومية فرنسية جثمانه الطاهر إلى القاهرة حيث أقيمت له في اليوم التالي جنازة عسكرية مهيبة بمشاركة وفود رسمية من 61 دولة وبحضور حشد من قادة الدول العربية والإسلامية والأجنبية. ونقلت مروحية عسكرية مصرية جثمانه في نفس اليوم 12/11/2004 إلى رام الله حيث كان مئات الالاف من المواطنين في انتظاره في رحلته الأخيرة..ووضع جثمانه في ضريح خاص في المقاطعة دفن فيه “مؤقتاً”، لأنه أوصى بدفنه في باحة الحرم القدسي الشريف، حيث سيتم نقل رفاته إليه بعد تحريره.